12 مليوناً بلا صوت.. مفوض مجلس أوروبا يدق ناقوس الخطر لحماية "الروما والسفرة"
12 مليوناً بلا صوت.. مفوض مجلس أوروبا يدق ناقوس الخطر لحماية "الروما والسفرة"
أطلق مفوض حقوق الإنسان في مجلس أوروبا، مايكل أوفلاهرتي، كتابًا ومعرض صور بعنوان "الـ12 مليوناً المنسيون" كنداء عاجل إلى صانعي القرار والمجتمع المدني في أوروبا للعمل الفوري على تحسين وضع أقلية الروما والسفرة (المتنقلين)، ويجمع الكتاب شهادات شخصية وصورًا سردية تظهر جوانب من التمييز اليومي والعنف والحرمان الذي يعيشه ملايين من أبناء هذه المجتمعات عبر القارة، ويطلب إجراءات ملموسة لحماية حقوقهم الأساسية.
تُقدَّر أعداد الروما والسفرة في أوروبا بما يقارب 10 إلى 12 مليون شخص، وفق موقع المجلس الأوروبي منهم نحو ستة ملايين يعيشون داخل الاتحاد الأوروبي، وهذا العدد يجعلهم أكبر أقلية عرقية على القارة، لكن أصواتهم غالبًا ما تبقى هامشية أمام سياسات وطنية وأولويات أمنية وسياسية لا تعالج الجذور البنيوية للتمييز.
جذور المشكلة
تتعزز هشاشة وضع الروما والسفرة عبر تداخل عوامل تاريخية واجتماعية وسياسية فهناك أنماط طويلة الأمد من العنصرية ، وسياسات إسكان مجزَّأة، وفصل تعليمي أوّلّي للأطفال الروما، وعوائق أمام الوصول إلى التوثيق والخدمات الصحية، وفرص عمل محدودة، إضافة إلى خلفية تاريخية من الاضطهاد تصل ذروتها في ممارسات إبادة أثناء الحرب العالمية الثانية تظل جزءًا من ذاكرة المجموعة وتؤطر مفاهيم الإقصاء الحديثة التي تواجهها اليوم.
أرقام تعكس أبعاد الفقر والحرمان
تظهر مسوح ومتابعات عدة أن نسب الفقر والمعاناة بين أقلية الروما تفوق بكثير المتوسط الأوروبي، وتشير تقارير وكالة الحقوق الأساسية في الاتحاد الأوروبي إلى أن نسبة من يعيشون في خطر الفقر أو الإقصاء الاجتماعي بين عيّنات الروما هي مستويات مرتفعة (بمعدلات مشابهة تصل إلى نحو 80% في دول معينة)، وأن مستوى الاندماج في التعليم والعمل متدنٍ مع زيادة في ظاهرة الفصل المدرسي والتهميش التعليمي، فيما تبقى معدلات المشاركة في سوق العمل أقل بكثير من متوسط السكان.
تداعيات إنسانية واجتماعية
النتيجة المباشرة لفشل سياسات الإدماج هي اضطراب في سبل العيش، ويشكّل ضعف الوصول إلى السكن اللائق والتعليم والرعاية الصحية أرضية خصبة للتعرض للعنف والتمييز، مع انعكاسات على الصحة العامة والأمن الاجتماعي، وسياسياً، يؤدي التهميش إلى غياب تمثيل سياسي واضح؛ مظاهر ذلك تجلت أخيراً في غياب نواب روم في البرلمان الأوروبي، ما يزيد شعور الانقطاع عن قنوات صنع القرار ويضعف قدرة المجتمعات على المطالبة بحقوقها.
ردود الفعل الحقوقية والقضائية
منظمات حقوق الإنسان الدولية والإقليمية أصدرت تقارير ومناشدات متكرِّرة تدين ممارسات التمييز وتوثّق حالات الإخلاء القسري والفصل المدرسي والتضييق المؤسسي، فقد أصدرت محاكم وآليات أوروبية أحكامًا واستنتاجات تحمّل دولًا مسؤولية الانتهاكات، ومن أمثلة ذلك أحكام وإجراءات لصالح جمعيات الروما في قضايا سكن وتعويض، وفي الوقت نفسه، تكرر منظمات مثل هيومن رايتس ووتش وأمنستي وتحالفات رومية مطالبتها بآليات رقابة وتطبيق أقوى لالتزامات الدول الأعضاء وفق منصة "Portal".
ما تقول القواعد الدولية والإقليمية؟
الإطار القانوني الأوروبي يزخر بالتزامات تجرّم التمييز وتلزم الدول بحماية الأقليات منها: الاتفاقية الأوروبية لحقوق الإنسان، والعهد الاجتماعي واللجان المتخصصة في إطار مجلس أوروبا، والإطار التوصيفي للاتحاد الأوروبي في الاستراتيجية الرومانية للأعوام 2020–2030 تشكّل أرضية قانونية وسياسية للعمل، لكن تحويل الالتزامات إلى سياسات تنفيذية يتطلب إرادة وطنية وموارد متواصلة ورقابة مدنية فعّالة.
مبادرات مشجعة لكن غير كافية
جهود تمويلية وحركات من المجتمع المدني شهدت تصاعدًا من إطلاق مؤسسات تمويل واستثمار في قدرات منظمات المجتمع المدني للروما إلى قضايا ناجحة أمام آليات حقوقية، وتظهر مبادرات تمويل كبرى أعلنتها منظمات مثل مؤسسة Open Society لصالح دعم قضايا الروما التزامًا ماديًا لمعالجة الفجوات، لكن هذه المبادرات لا تغني عن سياسات شاملة على مستوى الدول الأعضاء وضرورة إصلاحات مالية واجتماعية مهيكلة.
ما الذي يجب تنفيذه الآن؟
أولًا: خطة طارئة لمكافحة خطاب الكراهية وحماية الضحايا، مع أجهزة إبلاغ سريعة وحماية اجتماعية لمن يتعرّضون للتهديد، وثانيًا: مسارات فورية لوقف الإخلاءات القسرية وتأمين بدائل سكنية لائقة، وثالثًا: برامج وطنية لرفع جودة التعليم وإنهاء الفصل المدرسي، مع أهداف زمنية قابلة للقياس ضمن الاستراتيجية الأوروبية 2020–2030، ورابعًا: توثيق مدعوم دوليًا لبيانات مفصّلة عن أوضاع الروما لضمان استهداف السياسات، وخامسًا: دعم منظمات المجتمع المدني الروماي ومنحها موارد مستقلة لتعزيز تمثيل المجتمعات في مراكز القرار.
خلاصة إنسانية وقانونية
النداء الذي أطلقه مفوض حقوق الإنسان عبر كتابه هو أكثر من توثيق معاناة؛ إنه اختبار لالتزام أوروبا بقيمها، فالأرقام والشهادات تبين أن الإفلات من المساءلة والاستجابة الجزئية لن يغيِّرا واقع 10–12 مليون إنسان يعيشون في ظل استبعاد مؤسسي، وحماية حقوقهم تتطلب ترجمة القانون إلى أفعال، وتمويل سياسات متخصصة، ومشاركة حقيقية للمجتمعات الروماية والسفرية نفسها في رسم مستقبلهم، وإذا كان لحقوق الإنسان معنى، فينبغي أن يبدأ بتمكين الذين يعيشون بلا صوت من أن يسمعوا ويشاركوا ويبنوا حياة كريمة في أوطانهم.